(قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ طه آية (49،50 ).
التقينا في هذا الباب في العدد السابق من مجلتنا وكانت الآية هي (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ طه آية (49،50 ). ورأينا في تفسيرها أن هداية الكائنات لوظيفتها في الحياة تشعرنا بعظمة الله، فالله أوجد كل مخلوق وغرس فيه الهداية بالفطرة، ودله على الوسيلة التي يعيش بها، فكل مخلوق معه هداية طبيعية لوظيفته التي خلق من أجلها. خلقه ودله على الطريق. وكان مثالنا في العدد السابق عن السلحفاة البحرية ونذكركم كيف أن أنثي السلحفاة لا تغادر المياه إلا لوضع البيض وذلك بعد بحث وتنقيب طويل عن أفضل مكان لوضعه ومن ثم دفنه لحمايته وبعد تفقيس البيوض تذهب الصغار بدون مرشد إلى المياه لتكمل دورة حياتها …………….كل هذه الأحداث تدل على هداية الخالق للكائنات بعد خلقها. أما حديثنا في هذا الباب فهو عن النحل ومع الآية القرآنية ” وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ، ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ” سورة النحل الأيتان 68-69.
وقبل البدء باستعراض مواطن الاعجاز دعونا نتعرف على مجتمع النحل نحل العسل من الحشرات الاجتماعية التي تعيش في طوائف تتألف أفرادها من ملكة واحدة وعدة مئات من اليعاسيب (الذكور) وعدد كبير من العاملات (الشغالات) قد يزيد عددها أحيانا عن 100 ألف عاملة، وجميعها تعيش في مسكن واحد يسمى خلية النحل. تعيش جميع أفراد هذه الطائفة معيشة تكافلية فالملكة تضع البيض الذي لقحه الذكور وترعاه الشغالات وهكذا تستمر حياة هذا المجتمع التعاوني
تزور النحلة ما يزيد على ألف زهرة لكي تحصل على قطرة من الرحيق ! من أجل توفير الوقت والجهد حينما تقع النحلة على زهرة، وتمتص رحيقها تترك علامة أن هذه الزهرة مصّ رحيقها لتوفر على أخواتها وقتاً وجهداً، وتحتاج القطرة الواحدة من الرحيق إلى أن تحط النحلة على ألف زهرة أو أكثر، ومن أجل أن تجمع النحلة مئة غرام من الرحيق تحتاج إلى مليون زهرة، ومن أجل أن تصنع نحلة واحدة كيلو عسل تحتاج لأن تطير مائة ألف كيلو متر فهل هذا ممكن؟! هل يمكن صنع العسل من واحدة؟! ولكن تكافل هذا المجتمع يجعل من ذلك ممكناً حيث أن ما يقوم بجمع الرحيق مئات الشغالات كل يعرف دوره وينجزه بدون تقاعس أو ملل. وتجري النحلة أثناء عودتها لخليتها بعد جمع الرحيق عدة عمليات كيماوية معقدة جداً، لتحول الرحيق إلى عسل، وإذا كان موسم الأزهار غزيراً فإنها تعطي حمولتها لنحلة أخرى، وتعود سريعاً لكسب الوقت، وجني رحيق الأزهار، يوجد نحلات ضعيفة لا تكلف بالسفر إلى مكان بعيد، هذه تأخذ الحمولة من أختها في مدخل الخلية، وتنطلق إلى داخل خلية كي تضع الحمولة في المكان المناسب، وتعود النحلة إلى مكان رحيق الأزهار إذا كان الموسم جيِّدًا. النحل مهندس معماري بارع هناك من النحلات من يقمن بصنع أقراص الشمع ذات الشكل السداسي، الذي تنعدم فيه الفراغات البينية بأسلوب، وتصميم يعجز عن تقليده كبار المهندسين. مثلاً، هل يستطيع إنسان بالغ ذروة العقل والمهارة أن يبدأ بتبليط صالة كبيرة، إنسان من اليمين، وإنسان من اليسار، وإنسان من الشمال، وإنسان من الجنوب، وأن يجتمع هؤلاء الأربعة على بلاطة نظامية بمقياس دقيق، هذا فوق طاقة البشر ! إن قرص الشمع تبدأ به النحلات من أطرافه، وتصل إلى الوسط بأشكال سداسية لا تتغير عن بعضها، ولا بعشر الميليمتر، هذا شيء فوق طاقة البشر.
الزفاف الملكي
أول ما تقوم به الملكة الجديدة ضمن استعدادها لرحلة الزفاف، وهو قتل منافساتها من الملكات، ثم تبدأ مراسم الزفاف الملكي تغادر الملكة الخلية وتقوم بإرسال أنغامها الرنانة المغرية وعطرها الجذاب المثير، وتتدافع الذكور مسرعة إلى بوابة الخلية فتعلن بدء مراسم الزفاف ويبدأ الطيران, وتفرد الملكة أجنحتها القوية وتنطلق في الفضاء كالسهم وتلحق بها الذكور بنشاط وعزيمة وكلما أوشك إحداها على اللحاق بها زادت سرعتها وارتفاعها في الفضاء ويصيب اليأس مجموعة من الذكور إذ لا أمل لها باللحاق بها فتقرر التخلي عن المطاردة وتعود إلى الخلية وينطلق بعضها خلف الملكة ويتساقط واحد تلو الأخر ولا يبقى معها إلا قلة من الذكور وترميها الملكة بأخر سهامها فتنطلق بأقصى سرعة تستطيعها ويظفر بها أقواها بنية وأجلدها على تحمل المشاق والصعوبات ويتم تلقيحها وتنتهي مراسم الزفاف الملكي بعد (15 – 35) دقيقة من بدئها. ما الحكمة من هذه الرحلة الخطرة التي تقوم بها الملكة؟.. ولماذا يستلزم الزفاف وجود مائتي ذكر؟ الحقيقة أن أحد الذكور هو الأب المستقبلي لكل أفراد الخلية خلال خمس سنوات لاحقة، فلو كان ضعيفاً أو ذا صفات وراثية غير جيدة، لأدى ذلك لانقراض المملكة خلال شهورها الأولى. “صنع الله الذي أتقن كل شيء” (النمل: آية 88). لقد خلق الله هذه المملكة الحشرية، المتميزة في نظامها وحركتها وتعاونها مع زملائها فكانت آية من آيات خلق المولى تنطق ببديع صنعه. فالنظام التعاوني الفريد والحركة الدائمة والدؤوبة لأفراد هذه الأمة، والتي لا تعرف الكسل أو الملل، من الدقة بمكان أن الأعباء والمهام تتوزع حسب قدرة كل فرد فيها، تلك هي طائفة نحل العسل التي كرمها المولى عز وجل. كما يمتاز هذا المجتمع بالنظام والنظافة التامة، حيث لا يترك النحل في خليته أيّ أقذار أو أوساخ… وكل هذه التفاصيل تدعونا إلى أخذ النحل قدوة لنا فنصبح في عملنا كتلة نشاط وحيوية لإسعاد أوطاننا. لذلك حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يتمثل المؤمن به حيث قال: “مثل المؤمن كمثل النحلة، أكلت طيبًا، وضعت طيبًا ووقعت فلم تفسد ولم تكسر” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم هل بعد ذلك من يجادل في وجود الإله وكل ما في الكون يدل على عظمة وجوده يارب عرفتك من كل شيء ظهر عرفتك مما اختفى واستتر عرفتك من حاضرات الوجود ومما مضى في زمان غبر عرفتك مالاح نور ونار ومهما يدور كوكب في مدار عرفتك مهما الزمان استدار ومهما أتى الليل مع النهار بأنك أنت الآله الأحد أنك أنت العظيم الصمد.